عدد الرسائل : 87 العمر : 77 العمل/الترفيه : ربة بيت المزاج : عادي الدولة : تاريخ التسجيل : 04/01/2010
موضوع: حدثني بعد يا جدي .... عن فلسطيـــــــن الخميس يناير 07, 2010 6:27 am
حدثّني بعد ، يا جدي ، عن فلسطين...
كنت قد جلست معه ، قربه ، أقول له : حدثني بعد يا جدي عن فلسطين... قال لي : مش عارف من وين أبداً.
لم تكوني قد ولدت بعد... أنت ماذا تريدي أن تعرفي بالضبط ؟ ... أقول لك أن فلسطين أحلى أرض ؟ ماذا تريدي أكثر؟ ... يا جدي أخبرني ، كم كانت فلسطين جميلة ، هل كانت احلى من هذه الأرض ؟ إنت وين بتحكي يا جدي ؟ إيش بتقول
فلسطين أحلى من أية أرض ، فيها الجرانك والفراولة ... فيها كل إشي. كانت الدموع تغص في عينيه ، كان عندنا دونمات كثير... كنا نزرع الأرض بالبطيخ ، وكل شيء ونصدّر منها. طيب ؟ كيف ضاعت منا يا جدي ...؟ كيف... نظر إلى الطبيعة وقال : والله لو كان الأمر متروك لنا لما دخله يهودي ! طيب ليش ؟ ما كان في عندكم ذخيرة ...؟؟؟ إستنفرت كل القوى العربية وما حد ساعدكم ؟ آخ يا جدي ، إيش أقول لك ؟ ما حد ساعدنا ، ساعدوهم ، ممكن ، بس ساعدونا ! أبداً تركوا بيوتهم في يافا ، تركوا الطبيخ على النار ، على أمل أن القوات العربية ستدخل وستنقذنا . بيوتنا سكنها غيرنا . أخبار المجازر تتوارد إلينا ، لم نكن نخاف ، كنا صامدين ... نزلت دمعة على خده .ولكن لم يبق منا إلا قليل كي يدافع...بلا ذخائر ، بلا رجال يتمنون الجنة.
ظل يحكي جدي ، حتى وجدت غصة في كلامه ورأيته يبكي . جدي الذي هو بالنسبة لي رمز القوة ، كان يبكي بحرقة . ركضت إليه بمحرمة ، وقلت له : لا تبكِ يا جدي ، لا تبكِ ... يا جدي ، أنت بالنسبة لي كل شيء ، بالله عليك لا تبكِ. أتعرف شيئاً ؟ أنا لم أطلب منك أن تحكي لي عن فلسطين إلا كي أقول لك شيئاً واحداً : نحن لن ننسى هذه الأرض. نحن صغار ولكننا عندما نكبر ، نريد أن نذهب لفلسطين ، نريد أن نحررها حتى آخر شبر . وحياتك لن ننساها ، وحياة هذه الدموع الغالية ، لن أنسى فلسطين . يا جدي ، أنا لم أشأ أن أجعلك تبكي ! يعزّ علي بكاؤك أمامي . يا جدي ، أين مفتاح دارنا ؟ أخرج من جيبته صرّة صغيرة ، إبتسم وهو يبكي . فتح الصرّة وأعطاني مفتاحاً كبيراً ،
وقال : هذا مفتاح البوابة الكبيرة ، ورائها الحديقة وهناك البيت ، تجد مفتاح الدار قرب العتبة . لا تفرّط في الدار، أرجوك لا تتركها. ورجع يبكي. صرت أقبّله وأمسح عبراته. .... توفي جدي . أظلمت الدنيا في وجهي . لم أكن لأنساه ، شكله ، لحيته البيضاء ، كلامه الحنون وحديثه عن فلسطين : فلسطين الواقع ثم فلسطين الحلم ... فلسطين التي تحيا فينا مع كل نبضة قلب، فلسطين التي نتنشقها مع الهواء ونشربها مع كل قطرة ماء....
كنت قد كبرت ، جدي لا زال حياً بداخلي ، لم ولن أنس حلمه ، العيش في فلسطين والشهادة على أرضها الطاهرة. لا زلت أحمل نفس الحلم ، نفس المفتاح . قد لا أجد الدار ، أو البوابة أو الحديقة كما وصفها لي جدي . قد لا أجده هناك ، ولكني أعلم أن ذكرياته بين طيات هذه الجدران لا أزال أحملها بين رئتيّ طالما أن هناك نفس يخرج من جسدي.
رحمك الله يا جدي ، رحمك الله من قال أننا سننسى ؟ من قال أننا تخلينا عن حلمنا ؟ لكأني أرى راية الجهاد ترتفع عالياً ، يعلم الله أننا نمشي وراءها..... لا نخشى إلا الله حتى لو قتلنا إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.